كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعلى من ذهب إلى التبعيض يلزم أن يكون التبعيض في قوله في قصة التيمم: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} أن يقتصر على مسح بعض الوجه وبعض اليد، ولا قائل به.
وعلى من جعل الباء آلة يلزم أيضًا ذلك، ويلزم أن يكون المأمور به في التيمم هو مسح الصعيد بجزء من الوجه واليد.
والظاهر أنّ الأمر بالغسل والمسح يقع الامتثال فيه بمرة واحدة، وتثليث المعسول سنة.
وقال أبو حنيفة ومالك: ليس بسنة.
وقال الشافعي: بتثليث المسح.
وروي عن أنس، وابن جبير، وعطاء مثله.
وعن ابن سيرين: يمسح مرتين.
والظاهر من الآية: أنه كيفما مسح أجزأه.
واختلفوا في الأفضل ابتداء بالمقدم إلى القفا، ثم إلى الوسط، ثلاثة أقوال الثابت منها في السنة الصحيحة الأول، وهو قول: مالك، والشافعي، وأحمد، وجماعة من الصحابة والتابعين.
والثاني: منها قول الحسن بن حي.
والثالث: عن ابن عمر.
والظاهر أنّ رد اليدين على شعر الرأس ليس بفرض، فتحقق المسح بدون الرد.
وقال بعضهم: هو فرض.
والظاهر أن المسح على العمامة لا يجزىء، لأنه ليس مسحًا للرأس.
وقال الأوزاعي، والثوري، وأحمد: يجزىء، وأنّ المسح يجزىء ولو بأصبع واحدة.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: لا يجزىء بأقل من ثلاث أصابع.
والظاهر أنه لو غسل رأسه لم يجزه، لأن الغسل ليس هو المأمور به وهو قول: أبي العباس ابن القاضي من الشافعية، ويقتضيه مذهب الظاهرية.
وقال ابن العربي: لا نعلم خلافًا في أنّ الغسل يجزيه من المسح إلا ما روى لنا الشاشي في الدرس عن ابن القاضي أنه لا يجزئه.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر، وهي قراءة أنس، وعكرمة، والشعبي، والباقر، وقتادة، وعلقمة، والضحاك: وأرجلِكم بالخفض.
والظاهر من هذه القراءة اندراج الأرجل في المسح مع الرأس.
وروى وجوب مسح الرجلين عن: ابن عباس، وأنس، وعكرمة، والشعبي، وأبي جعفر الباقر، وهو مذهب الإمامية من الشيعة.
وقال جمهور الفقهاء: فرضهما الغسل.
وقال داود: يجب الجمع بين المسح والغسل، وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية.
وقال الحسن البصري، وابن جرير الطبري: يخير بين المسح والغسل ومن أوجب الغسل تأول أنّ الجر هو خفض على الجواز، وهو تأويل ضعيف جدًا، ولم يرد إلا في النعت، حيث لا يلبس على خلاف فيه قد قرر في علم العربية، أو تأول على أنّ الأرجل مجرورة بفعل محذوف يتعدى بالباء أي: وافعلوا بأرجلكم الغسل، وحذف الفعل وحرف الجرّ، وهذا تأويل في غاية الضعف.
أو تأول على أنّ الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة مظنة الإسراف المذموم المنهى عنه، فعطف على الرابع الممسوح لا ليمسح، ولكن لينبّه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها.
وقيل: إلى الكعبين، فجيء بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة، لأنّ المسح لم يضرب له غاية انتهى هذا التأويل.
وهو كما ترى في غاية التلفيق وتعمية في الأحكام.
وروي عن أبي زيد: أن العرب تسمي الغسل الخفيف مسحًا ويقولون: تمسحت للصلاة بمعنى غسلت أعضائي.
وقرأ نافع، والكسائي، وابن عامر، وحفص: وأرجلكم بالنصب.
واختلفوا في تخريج هذه القراءة، فقيل: هو معطوف على قوله: وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين، وفيه الفصل بين المتعاطفين بجملة ليست باعتراض، بل هي منشئة حكمًا.
وقال أبو البقاء: هذا جائز بلا خلاف.
وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، قال: وأقبح ما يكون ذلك بالجمل، فدل قوله هذا على أنه ينزه كتاب الله عن هذا التخريج.
وهذا تخريج من يرى أنّ فرض الرجلين هو الغسل، وأما مَن يرى المسح فيجعله معطوفًا على موضع برؤوسكم، ويجعل قراءة النصب كقراءة الجرِّ دالة على المسح.
وقرأ الحسن: وأرجلكم بالرفع، وهو مبتدأ محذوف الخبر أي: اغسلوها إلى الكعبين على تأويل من يغسل، أو ممسوحة إلى الكعبين على تأويل من يمسح.
وتقدم مدلول الكعب.
قال ابن عطية: قول الجمهور هما حدّ الوضوء بإجماع فيما علمت، ولا أعلم أحدًا جعل حدّ الوضوء إلى العظم الذي في وجه القدم.
وقال غيره: قالت الإمامية: وكل من ذهب إلى وجوب مسح الكعب هو الذي في وجه القدم، فيكون المسح مغيًا به.
وقال ابن عطية: روى أشهب عن مالك: الكعبان هما العظمان الملتصقان بالساق المحاذيان للعقب، وليس الكعب بالظاهر الذي في وجه القدم، ويظهر ذلك من الآية في قوله: في الأيدي إلى المرافق، إذ في كل يد مرفق.
ولو كان كذلك في الأرجل لقيل إلى الكعوب، فلما كان في كل رجل كعبان خصتا بالذكر انتهى.
ولا دليل في قوله في الآية على أن موالاة أفعال الوضوء ليست بشرط في صحته لقبول الآية التقسيم في قولك: متواليًا وغير متوال، وهو مشهور مذهب أبي حنيفة ومالك، وروي عن مالك والشافعي في القديم: أنها شرط.
وعلى أن الترتيب في الأفعال ليس بشرط لعطفها بالواو وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، ومذهب الشافعي أنه شرط واستيفاء حجج.
هذه المسائل مذكورة في الفقه، ولم تتعرّض الآية للنص على الأذنين.
فمذهب أبي حنيفة وأصحابه والثوري، والأوزاعي، ومالك فيما روى عنه أشهب وابن القاسم: أنهما من الرأس فيمسحان.
وقال الزهري: هما من الوجه فيغسلان معه.
وقال الشافعي: من الوجه هما عضو قائم بنفسه، ليسا من الوجه ولا من الرأس، ويمسحان بماء جديد.
وقيل: ما أقبل منهما من الوجه وما أدبر من الرأس، وعلى هذه الأقوال تبنى فرضية المسح أو الغسل وسنية ذلك.
{وإن كنتم جنبًا فاطهروا} لما ذكر تعالى الطهارة الصغرى ذكر الطهارة الكبرى، وتقدم مدلول الجنب في {ولا جنبًا إلا عابري سبيل} والظاهر أنّ الجنب مأمور بالاغتسال.
وقال عمر، وابن مسعود: لا يتيمم الجنب البتة، بل يدع الصلاة حتى يجد الماء، والجمهور على خلاف ذلك، وأنه يتيمم، وقد رجعا إلى ما عليه الجمهور.
والظاهر أنّ الغسل والمسح والتطهر إنما تكون بالماء لقوله: {فلم تجدوا ماء} أي للوضوء والغسل فتيمموا صعيدًا طيبًا فدل على أنه لا واسطة بين الماء والصعيد، وهو قول الجمهور.
وذهب الأوزاعي والأصم: إلى أنه يجوز الوضوء والغسل بجميع المائعات الطاهرة.
والظاهر أنّ الجنب لا يجب عليه غير التطهير من غير وضوء.
ولا ترتيب في الأعضاء المغسولة، ولا دلك، ولا مضمضة، ولا استنشاق، بل الواجب تعميم جسده بوصول الماء إليه.
وقال داود وأبو ثور: يجب تقديم الوضوء على الغسل.
وقال إسحاق: تجب البداءة بأعلى البدن.
وقال مالك: يجب الدلك، وروى عنه محمد بن مروان الظاهري: أنه يجزئه الانغماس في الماء دون تدلك.
وقال أبو حنيفة: وزفر، وأبو يوسف، ومحمد، والليث، وأحمد: تجب المضمضة والاستنشاق فيه، وزاد أحمد الوضوء.
وقال النخعي: إذا كان شعره مفتولًا جدًّا يمنع من وصول الماء إلى جلدة الرأس لا يجب نقضه.
وقرأ الجمهور: فاطّهروا بتشديد الطاء والهاء المفتوحتين، وأصله: تطهروا، فأدغم التاء في الطاء، واجتلبت همزة الوصل.
وقرئ: فاطْهروا بسكون الطاء، والهاء مكسورة من أطهر رباعيًا، أي: فأطهروا أبدانكم، والهمزة فيه للتعدية.
{وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} تقدّم تفسير هذه الجملة الشرطية وجوابها في النساء، إلا أنّ في هذه الجملة زيادة منه وهي مرادة في تلك التي في النساء.
وفي لفظه: منه دلالة على إيصال شيء من الصعيد إلى الوجه واليدين، فلا يجوز التيمم بما لا يعلق باليد كالحجر والخشب والرمل العاري عن أن يعلق شيء منه باليد فيصل إلى الوجه، وهذا مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة، ومالك: إذا ضرب الأرض ولم يعلق بيده شيء من الغبار ومسح بها أجزأه.
وظاهر الأمر بالتيمم للصعيد، والأمر بالمسح، أنه لو يممه غيره، أو وقف في مهب ريح فسفت على وجهه ويديه وأمرّ يده عليه، أو لم يمر، أو ضرب ثوبًا فارتفع منه غبار إلى وجهه ويديه، أنّ ذلك لا يجزئه.
وفي كل من المسائل الثلاث خلاف.
{ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} أي من تضييق، بل رخص لكم في تيمم الصعيد عند فقد الماء.
والإرادة صفة ذات، وجاءت بلفظ المضارع مراعاة للحوادث التي تظهر عنها، فإنها تجيء مؤتنقة من نفي الحرج، ووجود التطهير، وإتمام النعمة.
وتقدم الكلام على مثل اللام في ليجعل في قوله: {يريد الله ليبين لكم} فأغنى عن إعادته.
ومن زعم أنّ مفعول يريد محذوف تتعلق به اللام، جعل زيادة في الواجب للنفي الذي في صدر الكلام، وإن لم يكن النفي واقعًا على فعل الحرج، ويجري مجرى هذه الجملة ما جاء في الحديث «دين الله يسر، وبعثت بالحنيفية السمحة» وجاء لفظ الدين بالعموم، والمقصود به الذي ذكر بقرب وهو التيمم.
{ولكن يريد ليطهركم} أي بالتراب إذا أعوزكم التطهر بالماء.
وفي الحديث: «التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج».
وقال الجمهور: المقصود بهذا التطهير إزالة النجاسة الحكمية الناشئة عن خروج الحدث.
وقيل: المعنى ليطهركم من أدناس الخطايا بالوضوء والتيمم، كما جاء في مسلم: «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء». إلى آخر الحديث.
وقيل: المعنى ليطهركم عن التمرّد عن الطاعة.
وقرأ ابن المسيب: ليطهرْكم بإسكان الطاء وتخفيف الهاء.
{وليتم نعمته عليكم} أي وليتم برخصة العامة عليكم بعزائمه.
وقيل: الكلام متعلق بما دل عليه أوّل السورة من إباحة الطيبات من المطاعم والمناكح، ثم قال بعد كيفية الوضوء: ويتم نعمته عليكم، أي النعمة المذكورة ثانيًا وهي نعمة الدين.
وقيل: تبيين الشرائع وأحكامها، فيكون مؤكدًا لقوله: {وأتممت عليكم نعمتي} وقيل: بغفران ذنوبهم.
وفي الخبر: «تمام النعمة بدخول الجنة والنجاة من النار».
{لعلكم تشكرون} أي تشكرونه على تيسير دينه وتطهيركم وإتمام النعمة عليكم. اهـ.